تكرار الكلام عند الأطفال: هل يصبح مشكلة؟

تكرار الكلام عند الأطفال من الظواهر التي تثير اهتمام الأهل والمختصين على حد سواء، نظراً لما تحمله من دلالات نفسية وتطورية ولغوية. هو حالة شائعة تصاحب مراحل نمو اللغة عند الطفل، ولكن قد تتحول إلى مشكلة إذا استمر لفترات طويلة أو صاحبه أعراض أخرى تؤثر على التواصل والنمو النفسي. في هذا المقال سنتناول تكرار الكلام عند الأطفال بشكل معمق، مبينين أنواعه، أسبابه، مدى خطورته، وطرق التعامل معه.

مفهوم تكرار الكلام عند الأطفال

تكرار الكلام هو الحالة التي يعيد فيها الطفل كلمة أو جملة أو صوت أو عبارة أكثر من مرة متتالية أو متقطعة، وقد يظهر ذلك في عدة أشكال، منها:

• تكرار كلمات أو جمل كاملة: مثل قول الطفل كلمة واحدة عدة مرات متتابعة (مثلاً: “بابا بابا بابا”).

• تكرار مقاطع صوتية أو حروف: مثل تكرار صوت واحد أو مقطع من الكلمة (مثلاً: “با-با-با”).

• تكرار عبارات أو جمل طويلة: يحدث في بعض الأطفال الذين يمتلكون قدرة كلامية أكبر.

هذا التكرار قد يحدث في سياقات متعددة، مثل أثناء اللعب، أو الحديث مع الآخرين، أو عند التعبير عن مشاعر أو رغبات معينة.

الأسباب التي تؤدي إلى تكرار الكلام عند الأطفال

يمكن أن تنتج ظاهرة تكرار الكلام عند الأطفال عن عوامل متعددة تشمل التطور اللغوي، العوامل النفسية، وأحياناً وجود اضطرابات صحية أو عصبية. أهم هذه الأسباب:

1. المرحلة الطبيعية لتعلم اللغة

في كثير من الأحيان يكون تكرار الكلام جزءاً طبيعياً من عملية تعلم اللغة، ويحدث عادة عند الأطفال في عمر ما بين 2 إلى 5 سنوات. يعود السبب إلى محاولة الطفل لفهم طريقة نطق الكلمات وتعلم تراكيب الجمل، إذ يميل الطفل إلى تكرار الكلمات التي يسمعها بشكل متكرر لتثبيت النطق في ذاكرته.

2. التوتر والقلق النفسي

يعتبر التوتر والقلق من العوامل النفسية التي تؤدي إلى تكرار الكلام، إذ يستخدم الطفل التكرار كطريقة لتخفيف شعوره بعدم الأمان أو التوتر في مواقف معينة، مثل دخول مكان جديد، مواجهة تغيير في الروتين اليومي، أو حدوث خلافات أسرية.

3. ضعف القدرات اللغوية أو التأخر في النطق

قد يكون تكرار الكلام علامة على تأخر في النطق أو ضعف في القدرات اللغوية، حيث يحاول الطفل تكرار الأصوات والكلمات لتعلمها أو بسبب عدم قدرته على تكوين الجمل بشكل سليم.

4. اضطرابات الطيف التوحدي

تكرار الكلام قد يكون عرضاً من أعراض اضطراب طيف التوحد، حيث يتسم هذا الاضطراب بمشاكل في التواصل الاجتماعي، وتكرار السلوكيات، ومن بينها تكرار الكلام أو الكلمات.

5. مشاكل عصبية أخرى

في بعض الحالات النادرة، قد يشير تكرار الكلام إلى وجود مشاكل عصبية، مثل الشلل الدماغي أو مشاكل في الجهاز العصبي المركزي، التي تؤثر على القدرة على تنظيم الكلام.

أنواع تكرار الكلام عند الأطفال

يمكن تصنيف تكرار الكلام إلى عدة أنواع تبعاً لشدة الظاهرة وطبيعتها:

تكرار الكلام العرضي

يحدث بصورة متقطعة وغير مستمرة، وعادة ما يرافق مراحل تطور اللغة أو مواقف نفسية مؤقتة.

التلعثم (التأتأة)

وهو نوع من تكرار الكلام يختلف في كونه مصحوباً بصعوبة في تدفق الكلام، حيث يعجز الطفل عن التحدث بسلاسة، مما يؤدي إلى تكرار الأصوات أو الكلمات أو أجزاء الجملة بشكل متكرر.

تكرار الكلام التلقائي (Echolalia)

يتمثل في إعادة الطفل الكلمات أو العبارات التي يسمعها بشكل تلقائي دون تعديل، ويظهر غالباً عند الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحد.

العلامات التي تدل على أن تكرار الكلام قد يكون مشكلة

ليس كل تكرار كلام يعني وجود مشكلة، ولكن هناك علامات تحذر من احتمال تحول الظاهرة إلى اضطراب يستدعي التدخل، منها:

• استمرار التكرار لفترة طويلة تتجاوز 6 أشهر.

• ظهور تكرار الكلمات بشكل مفرط غير متناسب مع عمر الطفل.

• مصاحبة التكرار لصعوبة في التواصل أو التعبير عن الأفكار.

• ظهور علامات توتر أو انسحاب اجتماعي.

• وجود تأخر في النمو اللغوي أو الحركي.

• تكرار الكلام بصوت غير طبيعي أو بطريقة تزعج المحيطين.

تأثيرات تكرار الكلام على الطفل والمحيطين

تكرار الكلام عند الأطفال له تأثيرات متعددة على الطفل نفسه وعلى علاقته بالمحيطين به، وهذه التأثيرات تتفاوت حسب طبيعة التكرار ومدى شدته.

على الطفل

• تأخر في تطوير مهارات التواصل: قد يؤثر التكرار المفرط على قدرة الطفل في التعبير عن نفسه بشكل واضح وسلس.

• الشعور بالإحباط والقلق: مع استمرار المشكلة قد يشعر الطفل بالعجز أو الإحباط نتيجة عدم تمكنه من التواصل الفعّال.

• تأثير على الثقة بالنفس: قد ينعكس التكرار سلباً على ثقة الطفل بنفسه، خاصة إذا واجه سخرية أو رفض من المحيطين.

على المحيطين

• صعوبة في الفهم والتواصل: يجعل التكرار المستمر عملية التواصل أقل فعالية، مما يسبب توتراً في العلاقات.

• زيادة العبء النفسي على الأسرة: تحاول الأسرة أو المعلمون إيجاد طرق لمساعدة الطفل، وقد يؤدي ذلك إلى ضغوط نفسية عليهم.

• تأخر في الاندماج الاجتماعي: بسبب صعوبة التواصل قد يواجه الطفل تحديات في الاندماج مع أقرانه.

كيف يتم تشخيص تكرار الكلام كحالة مرضية؟

يبدأ التشخيص عادة بملاحظة الأهل والمعلمين لسلوك الطفل، ثم يليه تقييم شامل من قبل مختصين في النطق واللغة، علم النفس، والأعصاب إذا لزم الأمر. يتضمن التشخيص:

• تاريخ الحالة: جمع معلومات عن بداية التكرار، ومدته، والأحداث المصاحبة له.

• تقييم القدرات اللغوية: فحص مهارات النطق، المفردات، وتركيب الجمل.

• الفحص النفسي: للتحقق من وجود قلق، توتر، أو اضطرابات سلوكية.

• الفحص العصبي: في بعض الحالات لاستبعاد وجود مشاكل عصبية.

استراتيجيات علاج تكرار الكلام عند الأطفال

العلاج يختلف بحسب سبب التكرار وشدته، وفيما يلي أهم الاستراتيجيات:

1. التدخل المبكر والتوجيه اللغوي

• تشجيع الطفل على التحدث بلطف وهدوء.

• تقديم نماذج كلامية صحيحة بطيئة وواضحة.

• تحفيز الطفل على التعبير عن أفكاره بشكل متدرج.

2. العلاج السلوكي والنفسي

• استخدام تقنيات تخفيف التوتر والقلق.

• دعم الطفل نفسياً وزيادة ثقته بنفسه.

• تدريب الطفل على مهارات التواصل الاجتماعي.

3. العلاج النطقي

• جلسات مع أخصائي نطق لتصحيح أنماط النطق غير الصحيحة.

• تدريبات على التحكم في التنفس وصوت الكلام.

4. العلاج الدوائي (في الحالات الخاصة)

• يستخدم فقط عند وجود اضطرابات عصبية أو نفسية تستدعي ذلك.

دور الأسرة في التعامل مع تكرار الكلام عند الطفل

الأسرة هي الركيزة الأساسية لدعم الطفل ومساعدته على تجاوز هذه المرحلة. من أهم أدوارها:

• الصبر والتفهم، وعدم الضغط على الطفل أثناء الكلام.

• توفير بيئة هادئة ومستقرة نفسياً.

• المشاركة في جلسات العلاج عند الحاجة.

• تعزيز التواصل الإيجابي من خلال اللعب والقراءة.

• تجنب السخرية أو التقليل من شأن الطفل.

الوقاية والتدابير التي تساعد على تقليل تكرار الكلام

يمكن اتباع بعض الإجراءات التي تساعد على الحد من تكرار الكلام عند الأطفال أو منعه، منها:

• تعزيز مهارات التواصل منذ سن مبكرة.

• تحفيز الطفل على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية.

• مراقبة مصادر التوتر والقلق في حياة الطفل ومحاولة تقليلها.

• التشجيع المستمر على استخدام اللغة بشكل طبيعي.

جدول يوضح الفروقات بين تكرار الكلام الطبيعي وتكرار الكلام المرضي

الخلاصة

تكرار الكلام عند الأطفال ظاهرة طبيعية في معظم الحالات، تعكس مراحل تطور اللغة والتعلم، أو رد فعل نفسي على مواقف معينة. لكنها قد تتحول إلى مشكلة حقيقية تؤثر على نمو الطفل الاجتماعي والنفسي في حال استمرت لفترة طويلة أو صاحبتها علامات أخرى. الفهم الدقيق لأسباب التكرار، والتدخل المبكر، والدعم الأسري، إضافة إلى العلاج المناسب، يشكلان عوامل رئيسية في تجاوز هذه الظاهرة دون تأثير سلبي على الطفل. لذا، يُنصح بمراقبة الطفل جيداً، والتواصل مع المختصين عند ملاحظة استمرار التكرار أو تدهور قدراته اللغوية والاجتماعية.

المصادر والمراجع

• American Speech-Language-Hearing Association (ASHA). (2023). Childhood Stuttering.

• Mayo Clinic Staff. (2024). Speech Disorders in Children.